ما هي العمارة البيوفيلية؟

ما هي العمارة البيوفيلية؟ عندما تتنفس المباني الحياة
مقدمة
في خضم التوسع العمراني المتسارع، بات الإنسان أكثر ابتعادًا عن الطبيعة. جاءت العمارة البيوفيليّة (Biophilic Architecture) كرد فعل حضاري يدمج بين البيئة المبنية وعناصر الطبيعة، بهدف استعادة الصلة المفقودة بين الإنسان والبيئة الطبيعية. إنها ليست مجرد أسلوب تصميمي، بل فلسفة عمرانية تعيد التوازن بين التطور والتحضر من جهة، والحاجة النفسية والفيزيولوجية للإنسان للطبيعة من جهة أخرى.
ما هي العمارة البيوفيليّة؟
العمارة البيوفيليّة هي توجه معماري يهدف إلى دمج الطبيعة داخل الفضاءات المبنية بشكل واعٍ وممنهج، من خلال عناصر مثل الإضاءة الطبيعية، التهوية، المياه، النباتات، المواد الطبيعية، المناظر الخارجية، وحتى الإيقاعات البيئية كالضوء والظل وتغيّر الفصول.
تعتمد الفكرة على مبدأ “السكن مع الطبيعة” وليس مجرد وجودها في الخارج، بل إدخالها إلى قلب التجربة اليومية للإنسان داخل المنزل أو مقر العمل أو المدرسة.
جذور الفكرة
مصطلح “Biophilia” صاغه العالم النفسي إدوارد ويلسون في الثمانينيات، وعبّر فيه عن ميل الإنسان الفطري للتفاعل مع الكائنات الحية والطبيعة. سرعان ما التقط المعماريون هذه الفكرة، وبدأت تتبلور كاتجاه تصميمي جديد في بدايات القرن الحادي والعشرين، مدعومًا بالأبحاث النفسية والصحية التي أثبتت فوائد الطبيعة على رفاهية الإنسان.
مبادئ العمارة البيوفيليّة
من أبرز المبادئ الأساسية لهذا التوجه:
- الرؤية والاتصال المباشر بالطبيعة: مثل وجود نوافذ تطل على مناظر طبيعية، حدائق داخلية، نباتات موزعة داخل الفراغ.
- استخدام المواد الطبيعية: مثل الحجر، الخشب غير المعالج، الأقمشة العضوية.
- الإضاءة والتهوية الطبيعية: الاعتماد على توزيع الضوء وفق دورة الشمس اليومية.
- إدخال عناصر المياه: الشلالات الصناعية، البرك، أو الجداول داخل أو حول المبنى.
- الأشكال العضوية: تصميمات مستوحاة من الأشكال النباتية والحيوانية والانسيابية.
- التكامل مع الموقع: عدم فرض المبنى على الأرض، بل تصميمه كجزء منها.
فوائد العمارة البيوفيليّة
- نفسياً: تخفيف التوتر وتحسين المزاج العام.
- وظيفياً: زيادة الإنتاجية في أماكن العمل.
- صحيًا: تحسين جودة الهواء والإضاءة وبالتالي صحة الإنسان.
- بيئيًا: تقليل البصمة الكربونية وتحقيق استدامة طويلة الأمد.
أمثلة عالمية على العمارة البيوفيليّة
المباني المستوحاة من الطبيعة في سنغافورة والإمارات تُعد من أبرز الأمثلة على العمارة البيوفيليّة (Biophilic Architecture)، وهي التي توظف عناصر الطبيعة في التصميم لتوفير بيئة صحية، مستدامة، وجمالية في الوقت نفسه. إليك أبرز هذه المباني:
🇸🇬 في سنغافورة:
1. 🌿 Parkroyal on Pickering Hotel
- المفهوم: “فندق على شكل حديقة”.
- المميزات:
- يحتوي على طوابق خضراء بمساحة تعادل مساحة المبنى نفسه.
- تصميم يشبه مصاطب الزراعة الجبلية.
- نظام ري ذكي يستخدم مياه الأمطار المعاد تدويرها.
- الإلهام الطبيعي: الجبال المدرّجة والغابات الاستوائية.
2. 🍃 Gardens by the Bay – Supertree Grove
- الموقع: من أهم معالم سنغافورة.
- المفهوم: أشجار عملاقة صناعية مستوحاة من الأشجار الاستوائية.
- الوظائف:
- توليد الطاقة الشمسية.
- جمع مياه الأمطار.
- تهوية للبيوت الزجاجية (Greenhouses).
- الإلهام الطبيعي: تكوينات الأشجار الاستوائية العملاقة.
3. 🌱 Marina One
- المفهوم: “مدينة داخل حديقة”.
- المميزات:
- فناء داخلي عملاق مليء بالنباتات.
- تهوية طبيعية باستخدام تصميم يشبه وادي جبلي.
- تقليل الاعتماد على التكييف والضوء الصناعي.
- الإلهام الطبيعي: الوديان والحدائق المطيرة.
🇦🇪 في الإمارات:
1. 🐫 متحف اللوفر أبوظبي
- المصمم: جان نوفيل.
- المفهوم: استلهام من “سوق عربي تحت مظلة”.
- القبة: مكونة من طبقات معدنية مخرّمة تخلق تأثير “شعاع الشمس من خلال سعف النخل” (Rain of Light).
- الإلهام الطبيعي: واحات الصحراء، وظلال أشجار النخيل.
2. 🏜️ برج العرب – دبي
- الإلهام: شراع سفينة (الدهو التقليدي).
- العناصر الطبيعية:
- محاكاة الرياح البحرية في شكل البرج.
- اللون الأبيض كرمز للنقاء البحري.
- الموقع داخل البحر يعكس ارتباطاً مباشراً بالطبيعة المائية.
3. 🌬️ مقر بلدية دبي – المبنى المستدام
- التصميم: مستوحى من حركة الرمال والكثبان.
- المميزات:
- ألواح طاقة شمسية.
- نظام تهوية طبيعي مستوحى من أبراج الرياح التقليدية (البراجيل).
- الإلهام الطبيعي: بيئة الصحراء والواحات.
4. 🌄 مباني مدينة مصدر – أبوظبي
- المدينة: أول مدينة مستدامة بالكامل في الشرق الأوسط.
- المباني:
- استخدام الطين والخشب المعالج بطرق تقليدية.
- حركة الهواء مستوحاة من البراجيل.
- الواجهة تتفاعل مع الشمس والرياح.
- الإلهام الطبيعي: المناخ الصحراوي، العمارة التقليدية الإماراتية.
- حدائق الخليج في سنغافورة (Gardens by the Bay): مثال مذهل على دمج التكنولوجيا بالطبيعة.
- برج الجوهرة في دبي (The Jewel): تصميم مستوحى من تشكيلات الكريستال الطبيعية.
- برج بوسكو فيرتيكال (Bosco Verticale) – ميلانو: ناطحة سحاب مغطاة بالأشجار والنباتات على جميع شرفاتها.
✨ الرسالة المشتركة في هذه المباني:
هذه العمارة لا تقتصر على الجمال أو الحداثة، بل تقدم حلولاً بيئية مبتكرة مستوحاة من الطبيعة المحلية أو الإقليمية، وتظهر كيف يمكن للتصميم أن يدمج بين الفن، والبيئة، والتكنولوجيا لخلق تجارب معمارية فريدة.
العمارة البيوفيليّة في العالم العربي
رغم حداثة المفهوم، بدأت تظهر مشاريع في الإمارات والسعودية ومصر تراعي مبادئ الطبيعة في التصميم، خاصة في المدن الذكية مثل الرياض الخضراء ومبادرات الحي المستدام.
التحديات
- ارتفاع التكلفة الأولية في بعض الحالات.
- الحاجة إلى صيانة مستمرة للنباتات والمسطحات المائية.
- نقص الوعي المجتمعي بهذا النوع من العمارة.
خاتمة
العمارة البيوفيليّة هي جسر بين الإنسان والعالم الطبيعي، تتجاوز فيها المباني كونها مأوى لتصبح مصدرًا للراحة النفسية والتجديد الحيوي. ومع تزايد ضغوط الحياة الحضرية، تبدو هذه الفلسفة أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى. إنها دعوة لنجعل مبانينا تنبض بالحياة… حرفيًا.
وبكدة نكون وصلنا لنهاية حلقتنا النهاردة عن: وبكدة نكون وصلنا لنهاية حلقتنا النهاردة عن: ما هي العمارة البيوفيلية؟
تعرف على مزيد من التفاصيل عن: الكونسبت المعماري للفلل السكنية في الحلقة السابقة.
للحصول على مزيد من المعلومات برجاء متابعى على المنصات التالية:
الفيسبوك: https://www.facebook.com/profile.php?id=100088893776257
اليوتيوب: https://www.youtube.com/@ashrafrashad8031
التيك توك:https://www.tiktok.com/@ashraf.r1
الانستاجرام:https://www.instagram.com/ashraf.rashad.58/
المراجع: