المعماري راسم بدران: رمز التجديد والإرث المعماري العربي
يُعتبر راسم بدران من أبرز المعماريين في العالم العربي، إذ جسّد بفكره ورؤيته تصميمات تجمع بين أصالة التراث وابتكارات الحداثة. طوال مسيرته، استطاع بدران أن يُحدث تغييرًا نوعيًا في مشهد العمارة من خلال إبراز الهوية الثقافية في مشاريع معاصرة تحمل بصمة جمالية ووظيفية فريدة.
نشأته ومسيرته المهنية
المهندس المعماري الأردني من أصل فلسطيني ولد في القدس عام 1945م، ونشأ راسم بدران في بيئة تأثرت بثراء التراث العربي والفنون الإسلامية، مما أسهم في تشكيل رؤيته المعمارية منذ نعومة أظفاره. توجه إلى دراسة العمارة في ألمانيا وتخرّج في مطلع السبعينيات من المعهد العالي للدراسات التقنية في دارمشتات، ثم عاد إلى رام الله في فلسطين، لينتقل بعد عام من ذلك للإقامة في عمان بالاردن، حيث أسس شركته للهندسة المعمارية «دار العمران» في الأردن. ومن ثم، انطلق بدران في مشواره المهني بجرأة، متحديًا التقنيات التقليدية لتقديم نماذج معمارية جديدة تمزج بين الأصالة والحداثة.
حصل على الجنسية السعودية في عام 2022 تكريما لاسهامه في العمارة في المملكة العربية السعودية على مدار أكثر من 37 عاما. .
فلسفته في التصميم
يرى راسم بدران أن العمارة ليست مجرد إنشاء مبانٍ وظيفية، بل هي لغة تعبّر عن الثقافة والهوية. فقد تبنى فلسفة تصميمية ترتكز على ما يلي:
- الحوار بين الماضي والحاضر:
يسعى بدران إلى استحضار روح التراث العربي والإسلامي في تصاميمه، مع تكييفها مع متطلبات العصر الحديث. يرى أن كل مشروع يجب أن يكون جسرًا يربط بين ذكريات الماضي وطموحات المستقبل. - الجمالية الوظيفية:
يؤمن بدران بأن لكل تفصيل في التصميم رسالة، فالواجهات البسيطة قد تحمل في طياتها تعبيرًا عن القوة والرقي، بينما تُصمم المساحات الداخلية لتوفير راحة وفعالية وظيفية تلبي احتياجات المستخدمين. - الاستدامة والابتكار:
من خلال استخدام مواد وتقنيات معمارية حديثة، يدمج بدران بين الاستدامة البيئية والابتكار التكنولوجي، مما يضمن أن تصاميمه تظل ملائمة للعصر ومتجددة عبر الزمن.
أبرز مشاريعه
ترك راسم بدران بصمة واضحة في العديد من المشاريع التي أثرت في المشهد العمراني العربي، ومن بين أهمها:
خلال فترة الثمانينيات، فاز بالجائزة الأولى في مشروع تطوير منطقة قصر الحكم ب وحصل على عطاء تنفيذ القصر والجامع والذي فاز من خلاله في منتصف التسعينيات بجائزة الاغاخان للعمارة الإسلامية.
خلال فترة التسعينات عمل ضمن إطار الفريق المعماري المحلي أو العربي أو العالمي، إذ شهدت سلسلة من التعاون مع معماريين كبار من أمثال عبد الحليم إبراهيم في تطوير مشاريع حضرية منها مشروع تطوير منطقة الجمالية بالقاهرة، أو واحة العلوم والفضاء بالرياض،
أو تطوير وسط مدينة عمان، مبنى أمانة عمان الكبرى في عمّان، وهو عمل مشترك بين بدران، والمعمار جعفر طوقان
وأضرحة الصحابة بالكرك وضريح الإمام البخاري بسمرقند وتخطيط الجامعة الإسلامية بكوالالمبور، وكذلك العمل المشترك مع محمد صالح مكية وعبد الحليم إبراهيم وآخرين على تخطيط مشروع جامعة أم القرى بمكة المكرمة.
بدران هو مُصمم مركز الملك عبد العزيز التاريخي الشهير في الرياض. اشتهر ببراعته في دمج القيم الثقافية الموروثة تاريخياً بأسلوب معاصر.
ومن أعماله الأخرى المسجد الكبير
وقصر العدل بالرياض
والجامعة الإسلامية العالمية ماليزيا في كوالالمبور. في عام 2019، حصل على جائزة تميّز للإنجاز المعماري مدى الحياة.
- المشاريع الحكومية والمعمارية العامة:
شارك بدران في تصميم مباني حكومية ومجمعات إدارية تتميز بتنظيم المساحات ووضوح الهيكلية المعمارية، حيث تبرز فيها البساطة مع لمسات فنية تراثية. - المجمعات السكنية والمراكز الثقافية:
قام بتصميم مجمعات سكنية تعكس الحياة العربية الأصيلة مع تقديم بيئة معيشية حديثة، كما ساهم في إنشاء مراكز ثقافية تُبرز الهوية الفنية والتاريخية للمناطق التي تقع فيها. - المشاريع الحضرية والإعمارية الكبرى:
من خلال عمله في مشاريع تخطيط حضري ومشاريع تجديدية في المدن العريقة، ساهم بدران في إعادة إحياء وترميم أجزاء من النسيج العمراني، مما أضفى عليها روحاً جديدة دون فقدان جاذبيتها التاريخية.
تأثيره وإرثه في العمارة العربية
يُعتبر راسم بدران مصدر إلهام للجيل الجديد من المعماريين، فقد نجح في تقديم نموذج معماري يجمع بين الحداثة والاحترام العميق للتراث. كما ساهم في نشر الفكر المعماري العربي من خلال مشاركاته في المؤتمرات والندوات والبرامج التعليمية، مما عزز الحوار بين الخبرات المحلية والدولية في هذا المجال.
خاتمة
من خلال أعماله وإنجازاته، يبرهن راسم بدران أن العمارة أكثر من مجرد بناء مبانٍ؛ إنها سردٌ حيٌّ لثقافة وهوية مجتمع بأسره. ورغم التحديات المعاصرة، يستمر بدران في رسم معالم تعكس تراث العرب العريق وتطلعاتهم نحو مستقبل مشرق يرتكز على الابتكار والتميز.
أهم مشاريع المعماري راسم بدران:
يُعد راسم بدران من أبرز الشخصيات في عالم العمارة بالوطن العربي، حيث ترك بصمته من خلال مجموعة من المشاريع التي تجمع بين الابتكار والروح التراثية. فيما يلي نلقي نظرة على بعض من أهم مشاريعه التي جسدت رؤيته الفنية المميزة:
1. المجمع الدبلوماسي المركزي
يُعتبر هذا المشروع من الطراز الرفيع في تصميم المرافق الحكومية، حيث تم دمج المساحات الإدارية الواسعة مع مناطق الاستقبال والملتقيات الرسمية. تميز التصميم باستخدام واجهات زجاجية مع تفاصيل زخرفية تُستحضر الفن الإسلامي، مما أعطى المبنى هوية قوية ورمزية تناسب الأجواء الدبلوماسية.
2. مشروع تجديد المدينة التاريخية
ساهم راسم بدران في مشروع إعادة إحياء منطقة تاريخية قديمة، من خلال دمج عناصر العمارة التقليدية مع تقنيات التصميم الحديث. جاء المشروع ليُعيد للمكان رونقه التاريخي مع توفير بنية تحتية متطورة تلبي احتياجات الحياة المعاصرة، مما يعزز من قيمة التراث الحضاري ويحفز النشاط الاقتصادي والسياحي في المنطقة.
3. المركز الثقافي والفني
تم تصميم هذا المشروع ليكون منبرًا للفنون والثقافة، حيث يضم مساحات للمعارض، قاعات العرض، والمسارح الصغيرة. يعتمد التصميم على خلق بيئة مرنة تتيح للفعاليات الثقافية والفنية التنوع والتفاعل، مع استخدام المواد والتفاصيل التي تربط بين الحداثة والعناصر التراثية.
4. المكتبة الوطنية / المركز المعرفي
في إطار رؤيته لدور العمارة في تعزيز المعرفة والثقافة، قام بدران بتصميم مركز معرفي يجمع بين المكتبة الوطنية ومساحات البحث والابتكار. يتميز المبنى بتوزيع مساحاته الذكي وإضفاء طابع معاصر على الفنون الزخرفية العربية، مما يجعله رمزًا للتجديد المعرفي والثقافي.
5. مشاريع الإسكان المعاصر
لم يقتصر عمل راسم بدران على المشاريع الحكومية والثقافية فقط، بل امتدت رؤيته لتشمل تصميم مجمعات سكنية حديثة تُراعي متطلبات الحياة العصرية مع الحفاظ على الهوية التراثية. يتميز هذا النوع من المشاريع بتوزيع مرن للمساحات وتصميم يدمج بين الراحة والوظيفية، مما يُساهم في رفع جودة الحياة في المناطق الحضرية.
من خلال هذه المشاريع، يُظهر راسم بدران أن العمارة ليست مجرد إنشاء مبانٍ وظيفية، بل هي لغة تعبّر عن ثقافة وهوية مجتمع بأسره. إن تداخل الحداثة مع التراث في أعماله يُشكل إرثًا فنيًا يلهم الأجيال الجديدة ويساهم في تطوير مشهد العمارة في الوطن العربي.
حصل على جائزة النيل للمبدعين العرب (2019).
