حين تراجعت العلوم… بدأ سقوط الحضارة الإسلامية

حين تراجعت العلوم… بدأ سقوط الحضارة الإسلامية تحدثنا في الجزء الاول من هذا الموضوع عن الاسباب السياسية والاقتصادية التي كانت من أسباب انهيار الحضارة الاسلامية، واليوم نستكمل الحديث عن أسباب تدهور البحث العلمي، ومن المؤكد أن ذلك لا يرجع لأسباب جينية أو وراثية، فقد سبق للعرب أن حققوا أعظم المنجزات، وعندما يهاجر العربي إلى الدول المتقدمة ويجد بيئة ملائمة لتحفيز طاقاته الإبداعية نجده يتفوق في مجاله، والدليل على ذلك الدكتور أحمد زويل، والذي حصل على جائزة نوبل في العلوم، وعندما سأله أحد أساتذة الفلسفة مازحاً؛ كيف تفوق في أميركا رغم «جيناته المتخلفة»، أجاب: جيناتي هي الجينات العظيمة التي كانت لدى أجدادي المسلمين، لكن أميركا أعطتني الفرصة والتقدير، وهما أمران مضمونان للجميع هناك، تعالوا بنا لنرى كيف كنا والى ما صرنا:
خامســــــاً تدهور العلوم ومؤسساتها: ان الإسلام، وبلا جدال، كان سبب نهضة العرب وفُتوحاتهم المدهشة، بالإسلام عرفتهم الأمم البعيدة، وخضعت لهم الممالك العظام، وقياصرة الروم وأكاسرة الفرس. ولا شك في أن بداية التراجع الحضاري للعالم الاسلامي، ترجع لعدة أسباب منها:
كما ذكرنا في المقال السابق أن المواجهة مع القوى الخارجية مثل:
- الحملات الصليبية على العالم الاسلامي: أدت الصراعات الداخلية في الممالك العربية حتى ضعفت القدرات الدفاعية، مما سهّل الأمر للدول والجماعات الأجنبية، لغزو الممالك العربية واحتلالها، وبدأ ذلك بالحملة الصليبية الأولى لاحتلال بيت المقدس عام (1095م)، والحملات التالية لاحتلال بلدان ممالك أخرى في الشام. ثم انزل المجاهدون المسلمون فى عهد عماد الدين زنكى، ونور الدين محمود، وصلاح الدين الأيوبى هزائم ساحقة، بالصليبيين، ولولا ضعف المسلمين بعد موت صلاح الدين لكانت نهاية الصليبيين بالشام قد تحققت.
- الغزو المغـــــــولي وسقوط الخلافة العباسية: ظهرت قوة المغول، بقيادة “جنكيز خان” وأنزلوا بالمسلمين هزائم ومصائب فى بلاد خراسان وفارس، ثم صار بعده ابنه “هولاكو” بجيوشه قاصدة بغداد فى عهد المستعصم. فى سنة 656 هـ / 1258م، وحاصر بغداد، وراح التتار يرتكبون جرائم يشيب لها الولدان، يشردون الأبرياء، ويهدمون المساجد والمدارس، ويحرقون المصاحف، ويقتلون الفقهاء والعلماء، ويسبون النساء، وينتهكون أعراضهن.
- فكان تأثير الحروب مدمرًا بسبب الخلاف الدائم المستعر بين أمراء هذه الدول، وبسبب الصراعات والتطاحن بين أمراء الممالك الذين استعان بهم العدو على بعضهم الآخر، وتم إهمال ما تم تحقيقه في النهوض العلمي والفكري وساهم هذا في تراجعنا حضاريًا على كل المستويات.
- فكانت كل تلك الحروب سبباً رئيسياً في انحطاط الحياة الفكرية والعلمية والثقافية والسياسية في هذه الفترة، وانهيار ما تحقق سابقاً في هذه الحضارة الكبيرة من تقدم في مختلف العلوم.
ثم بعد سقوط الخلافة العباسية سنة 656هـ علي يد التتار بدأ (العصر الإسلامي الوسيط) في الظهور بقيام عصر المماليك، فالعصر العثماني، إلي بداية عصر النهضة الحديثة الذي يؤرخونه بالحملة الفرنسية علي مصر سنة 1213هـ
وفي تلك الفترة فإن الدول الإسلامية، ربطت العلم ومؤسساته ربطاً محكماً بمصالحها، منذ بدايات العصر السلجوقي، حقيقة أسس الوزير السلجوقي نظام الملك (ت 1092م) المدارس وبنى الأيوبيون والمماليك الكثير منها في مصر والشام، ولكن ذلك لم يؤد إلى نهضة علمية شاملة، لأن هذه الدول هيمنت على التعليم ومؤسساته ووجهتها نحو ميادين تخدم مصالحها السياسية والمذهبية والإدارية.
حين تراجعت العلوم… بدأ سقوط الحضارة الإسلامية : والدليل على ذلك:
أ – ارتباط التعليم في تلك المدارس بالأوقاف التي خصصت لها، أي أن النفقة عليها كانت مرهونة بتنفيذ شروط الواقف، فأي خلل بهذه الشروط تتوقف النفقة وتغلق المدرسة. أي أن استمرار هذه المدرسة أو تلك مرهون برضاء صاحب الوقف سواء أكان سلطاناً أو أميراً – على مناهجها وأساتذتها وطلابها.
ب – إن الذين كانوا يتخرجون في هذه المدارس لم يشكلوا طبقة من العلماء، وإنما طبقة من الموظفين، يعملون في دواوين الدولة ومرافقها العامة.
ج – إن معظم العلوم التي كانت تدرّس آنذاك هي العلوم الدينية، لأن الهدف من تدريسها كان دينياً ومذهبياً، وقد برز هذا واضحاً في الدولة الأيوبية، التي قامت على أنقاض الدولة الفاطمية، ومن ناحية أخرى، فقد أهملت العلوم الطبيعية والفلسفية، حيث عزفت المدارس – مثلاً – عن تدريس العلوم الطبيعية التي كانت مصدراً من مصادر الحضارة العربية الإسلامية في عصرها الذهبي.
في القرنين التاسع عشر والعشرين، أنهى بعض الحكام الإصلاحيين تحالفهم مع العلماء وهاجموا العلماء في الإمبراطورية العثمانية داخل كل من تركيا ومصر وإيران والعديد من البلدان الأخرى ذات الأغلبية المسلمة. ومع ذلك، فإن هؤلاء الحكام الإصلاحيين لم يتمكنوا من حل مشاكل بلادهم لأن هؤلاء الحكام كانوا في الغالب من خلفيات عسكرية، وبالتالي كانوا أيضًا معادين للفكر ومعادين للبرجوازية. ونتيجة لذلك، استمر تهميش المثقفين والتجار حتى يومنا هذا في العالم الإسلامي.
- عندما اكتفى المسلمون من الإسلام بمجرد الاسم، واكتفوا من الإسلام بالركوع والسّجودِ، والأوراد والأذكار، وإطالة السُّبحَةِ والتلوُّمِ في المسجد، وظنُّوا أنَّ هذا هو الإسلام.
- فالإسلام قول وفعل، اي ايمان وعمل، ولم يكن الإسلام في يوم من الأيام سبب انحطاط المسلمين، كما يزعم المفترون الذين لا غرض لهم سوى نشر الثقافة الأوروبية بين المسلمين، وبسط سيادة الغرب على بلدانهم.
- غياب رعاة العلم من خلفاء ووزراء وتجار، فالضعف أصاب مؤسسة الخلافة نفسها، فقد انتهى عصر العباسيين الأوائل الذي كان يعد فيه الخلفاء من العلماء، ويعقدون مجالس العلم والأدب في بلاطهم وينفقون على المؤسسات العلمية ورجالها، ويدفعون الذهب ثمناً لشراء المخطوطات وترجمتها. أما خلفاء العصور العباسية المتأخرة فلم يعد العلم هماً يشغلهم.
- انتشار الجهل والعلم الناقص، فالأمة لم تبتعد عن دينها إعراضا ورفضا له، بل انحرافا وجهلا به، وفساد الأخلاق، فساد الحكام والعلماء، الجبن والهلع، اليأس والقنوط، نسيان المسلمين ماضيهم المجيد، وبين شبهات الجبناء والجهلاء، ضاع الإسلام بين الجامدين والجاحدين.
رؤية توينبي للحضارة الإسلامية:
وبالنسبة للحضارة الإسلامية يجد توينبي أنها نشأت استجابة لتحديات طبيعية تتمثل في ظروف الجفاف والصحراء وقلة المياه، واستجابة لتحديات بشرية تمثلت في (الغزو الثقافي والعسكري)، ولا سيما من قبل الحضارتين الرومانية والفارسية، اللتين حاولتا إخضاع جزيرة العرب بطرق مباشرة أو عن طريق الوكالة. وعموماً فإن توينبي يعتبر الدين السمة الأساسية لأي حضارة، حتى إنه يسمي الحضارات باسم الدين الذي نشأت في خلاله، ولذلك فإن التحديات والاستجابات هي في الغالب ذات بعد ديني، وهذا يعني أن تحديات الحضارة الإسلامية وصداماتها هي في جوهرها صدامات مع أصحاب الديانات الأخرى، كما أن هذه الحضارة ارتكزت على نشر الدين الإسلامي كأساس لعملها السياسي.

أكد توينبي أنه برغم النكبات التي حلت بالحضارة الإسلامية لوقوع معظم دولها فريسة للإستعمار، إلا أن الحضارة الإسلامية لن تتحجر وقد تٌنافس من أجل السيطرة في المستقبل بوسائل تتعدى تصوراتنا، حيث أن طابع الحضارة الإسلامية هو الاتساق بين الفكر والعمل و المساواة، إذ ارتفعت في أزهى عصورها إلى أن وصل الرقيق أو العبيد إلى أرقى مراكز السلطة، فمثلا تولى المماليك – الذين كانوا عبيد – الحكم في مصر. وقد لا يدرك الكثيرون قيمة تحريم الخمر، هذا التحريم بالنسبة للحضارة، حيث أن الإمتناع عن شرب الخمر لا يتم إلا بوازع ديني، وهو في نفس الوقت عامل مهم لإزدهار الحضارة”.
أسباب التأخر العربي، كما يراها الدكتور أحمد زويل في كتابه «عصر العلم»، تكمن في الآتي:
1- افتقار العالم العربي لقاعدة علمية.
2- افتقاره لنظام واقعي واضح يلبي الاحتياجات.
3- التأخر في إصلاح التعليم وتحويله من تلقين الطفل إلى تعليمه كيفية تشغيل عقله.
4- الفشل في القضاء على الأمية أو تخفيض نسبتها.
5- غياب الاهتمام بتوفير قاعدة علمية للبحث والتطوير بفاعلية.
6- نقص الحرية السياسية والفكرية.
7- غياب المراكز البحثية العلمية المتخصصة.
8- التلكؤ في إعادة هيكلة البحث العلمي.
وبكدة نكون وصلنا لنهاية الجزء الثاني من موضوع حين تراجعت العلوم… بدأ سقوط الحضارة الإسلامية و في اللقاء القادم نستكمل بإذن الله من موضوع أسباب انهيار الحضارة الاسلامية.
المراجع:
- محمود شاكر. التاريخ الإسلامي (5). الدولة العباسية.
- الدكتور راغب السرجاني. موقع قصة الإسلام (الانترنت).